سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه

السبت، 1 أكتوبر 2011

لماذا عزل عمر خالداً رضي الله عنهما بقلم الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل

لماذا عزل عمر خالداً رضي الله عنهما
إبراهيم بن محمد الحقيل[*]

* أسباب عزل عمر لخالد - رضي الله عنهما - :
اختلف أهل السير والمغازي في السبب الذي جعل عمر يعزل خالداً عن قيادة
الجيوش ، وحاصل ما ذكروا أسباب ثلاثة :
السبب الأول : أن عزله كان بسبب شدته ، وكان عمر - رضي الله عنه -
شديداً ؛ فما أراد أن يكون الخليفة شديداً وقائد الجيوش كذلك . وكان أبو بكر
- رضي الله عنه - ليناً فناسب أن يكون قائد جنده شديداً ، فلما ولي عمر عزل
خالداً وولَّى أبا عبيدة ، وكان أبو عبيدة ليناً ، فناسب مع أبي بكر ولينه خالد وشدته ،
وناسب مع عمر وشدته أبو عبيدة ولينه ، رضي الله عنهم .
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - : « فلما انتهت الخلافة إلى عمر عزل
خالداً وولَّى أبا عبيدة بن الجراح ، وأمره أن يستشير خالداً ؛ فجمع للأمة بين أمانة
أبي عبيدة وشجاعة خالد » [5] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - : « وهكذا أبو بكر خليفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - ما زال يستعمل خالداً في حرب
أهل الردة ، وفي فتوح العراق و الشام ، وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل ، وقد
ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى ، فلم يعزله من أجلها بل عاتبه عليها ؛ لرجحان
المصلحة على المفسدة في بقائه ، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه ؛ لأن المتولي الكبير
- أي الخليفة - إذا كان خُلُقه يميل إلى اللين فينبغي أن يكون خُلُق نائبه يميل إلى
الشدة ، وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ؛
ليعتدل الأمر ؛ ولهذا كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يُؤثر استنابة خالد ،
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة بن
الجراح - رضي الله عنه - ؛ لأن خالداً كان شديداً كعمر بن الخطاب ، وأبا عبيدة
كان ليناً كأبي بكر ، وكان الأصلح لكل منهما أن يتولى من ولاه ليكون أمره معتدلاً »
[6] .
ويؤيد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية أن عمر - رضي الله عنه - لما كان
يسعى إلى عزل خالد أيام أبي بكر - رضي الله عنه - كان يقول : « اعزله ؛ فإن
في سيفه رهقاً ، فقال أبو بكر : لا أشيم - أي لا أغمد - سيفاً سلَّه الله على الكفار »
[7] .
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - : « والمقصود أنه لم يزل عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - يحرِّض الصديق ويذمِّره [**] على عزل خالد عن
الإمرة ، ويقول : إن في سيفه لرهقاً ؛ حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم
عليه المدينة ، وقد لبس درعه التي من حديد ، وقد صدئ من كثرة الدماء .... »
إلخ [8] .
ويشهد لشدة خالد أيضاً قتله للأسرى لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى
بني جذيمة ؛ فقتل الأسرى الذين قالوا : صبأنا صبأنا ، ولم يحسنوا أن يقولوا :
أسلمنا . فَوَدَاهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى رد إليهم ميلغة الكلب [9] ، ورفع
يديه ، وقال : « اللهم ! إني أبرأ إليك مما صنع خالد » [10] .
قال الخطابي - رحمه الله تعالى - : « الحكمة في تبرُّئه صلى الله عليه وسلم
من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك لكونه مجتهداً أن يعرف أنه لم يأذن له في
ذلك ، خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه ، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله »
ا هـ . ملخصاً .
وقال ابن بطال - رحمه الله تعالى - : « الإثم وإن كان ساقطاً عن المجتهد
في الحكم إذا تبين أنه بخلاف جماعة أهل العلم ، لكن الضمان لازم للمخطئ عند
الأكثر ؛ مع الاختلاف : هل يلزم ذلك عاقلة الحاكم أم بيت المال ؟ » ، قال الحافظ
ابن حجر متعقباً قول ابن بطال - رحمهما الله تعالى - : « والذي يظهر أن التبرؤ
من الفعل لا يستلزم إثم فاعله ولا إلزامه الغرامة ؛ فإن إثم المخطئ مرفوع وإن كان
فعله ليس بمحمود » [11] .
وكذلك قتله - رضي الله عنه - لمالك بن نويرة اليربوعي ، وملخص خبره :
أن مالكاً صانع سَجَاحاً التميمية التي ادعت النبوة ، ثم ندم مالك على ما كان منه ،
وقصد خالد البطاح وعليها مالك ، فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس ،
فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة ، وبذلوا الزكوات ، إلا ما كان من مالك بن
نويرة فإنه متحير في أمره ، متنحٍّ عن الناس ، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه
أصحابه ، واختلفت فيهم السرية ؛ فشهد أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم
أقاموا الصلاة ، وقال آخرون : إنهم لم يؤذِّنوا ولا صلوا ، فيقال : إن الأسارى باتوا
في كبولهم في ليلة باردة شديدة البرد ، فنادى منادي خالد أن دفئوا أسراكم ، فظن
القوم أنه أراد القتل فقتلوهم ... فلما بلغ ذلك خالداً قال : إذا أراد الله أمراً أصابه .
وقيل : إن خالداً استدعى مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح ،
وعلى منعه الزكاة ، وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك : إن صاحبكم
كان يزعم ذلك . فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك ؟! يا ضرار ! اضرب عنقه ،
فضُربت عنقه ، وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدراً ، فأكل خالد
من القدر تلك الليلة ؛ ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم . واعتذر خالد من
فعلته تلك بمالك لأبي بكر لما استدعاه ، فعذره أبو بكر ، وتجاوز عنه ما كان منه
في ذلك ، وودى مالك بن نويرة [12] .
السبب الثاني : أن عمر - رضي الله عنه - عزل خالداً - رضي الله عنه -
لما كان ينفق من أموال الغنائم دون الرجوع إلى الخليفة ، كما روى الزبير بن بكار
- رحمه الله تعالى - قال : « كان خالد إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم ،
ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً ، وكان فيه تَقَدُّمٌ على أبي بكر ، يفعل أشياء لا يراها
أبو بكر » .
ونقل الزبير بن بكار عن مالك بن أنس قوله : « قال عمر لأبي بكر : اكتب
إلى خالد لا يعطي شيئاً إلا بأمرك . فكتب إليه بذلك ، فأجابه خالد : إما أن تدعني
وعملي ، وإلا فشأنك بعملك . فأشار عليه عمر بعزله ، فقال أبو بكر : فمن يجزئ
عني جزاء خالد ؟ قال عمر : أنا . قال : فأنت . فتجهز عمر حتى أنيخ الظهر في
الدار ، فمشى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر فقالوا : ما شأن
عمر يخرج وأنت محتاج إليه ؟ وما بالك عزلت خالداً وقد كفاك ؟ قال : فما أصنع ؟
قالوا : تعزم على عمر فيقيم ، وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله . ففعل ، فلما
تولّى عمر كتب إلى خالد أن لا تعطِ شاة ولا بعيراً إلا بأمري ، فكتب إليه خالد بمثل
ما كتب إلى أبي بكر . فقال عمر : ما صدقتُ اللهَ إن كنت أشرت على أبي بكر
بأمر فلم أنفذه . فعزله ، ثم كان يدعوه إلى أن يعمل فيأبى إلا أن يخليه يفعل ما يشاء ،
فيأبى عمر » [13] .
ويؤيد ذلك ما نُقل عن عمر من قوله : « إني ما عتبت على خالد إلا في تقدمه ،
وما كان يصنع في المال » [14] .
وذكر الحافظ ابن كثير ذلك فقال : « وقيل : عزله ؛ لأنه أجاز الأشعث بن
قيس بعشرة آلاف ، حتى إن خالداً لما عُزل ودخل على عمر سأله : من أين لك هذا
اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف ؟ فقال : من الأنفال والسهمان » [15] .
ويؤيده ما رواه الإمام أحمد بسند جيد ، أن عمر - رضي الله عنه - اعتذر
من الناس في الجابية فقال : « وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد : إني أمرته أن
يحبس هذا المال على ضَعَفَة المهاجرين فأعطاه ذا البأس وذا الشرف وذا اللَّسَانة ،
فنزعته وأمَّرت أبا عبيدة » [16] .
السبب الثالث : أن عمر عزل خالداً - رضي الله عنهما - خشية افتتان الناس
به ؛ فإن خالداً - رضي الله عنه - ما هُزم له جيش لا في الجاهلية ولا في الإسلام ،
وقد جمع الله تعالى له بين الشجاعة والقوة والرأي والمكيدة في الحرب ، وحسن
التخطيط والتدبير والعمل فيها ، وقلَّ أن تجتمع هذه الصفات في شخص واحد .
ويدل على ذلك ما يلي :
1 - أن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى الأمصار : « إني لم أعزل خالداً
عن سخطة ولا خيانة ، ولكن الناس فُتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع »
[17] .
2 - ما رواه سيف بن عمر أن عمر - رضي الله عنه - قال حين عزل
خالداً عن الشام ، و المثنى بن الحارثة عن العراق : « إنما عزلتهما ليعلم الناس أن
الله تعالى نصر الدين لا بنصرهما ، وأن القوة لله جميعاً » [18] .
3 - قول ابن عون : « ولي عمر فقال : لأنزعنَّ خالداً حتى يُعلم أن الله
تعالى إنما ينصر دينه . يعني بغير خالد » [19] .
فقد يكون عزله لسبب من هذه الأسباب ، أو لها مجتمعة ، ورأى عمر
- رضي الله عنه - المصلحة في عزله .
وأما تَقَدُّمُ خالدٍ على الخليفة ، ودفعه للأموال دون مراجعته فقد كان اجتهاداً منه
- رضي الله عنه - ، ولعله رأى تأليف قلوب من يعطيهم ، ولا سيما أنه كان
- رضي الله عنه - خبيراً بالحرب ، عارفاً بمكايد عدوه ، فلا يُظن به إلا أن يعطي
من ينتفع الإسلام بإعطائه ، أو يكفي الإسلام شره . وكذلك شدته كانت للإسلام
ونصرته ، أراد أن يُرهب أعداء الله تعالى من المشركين والمرتدين ، وقد أخطأ في
بعض اجتهاداته ؛ فهو معذور مأجور ، لا يُقر على خطئه ، ولا يؤثّم في اجتهاده ؛
وهذا عين ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لم يقره على فعله ببني جذيمة ،
ولم يؤثمه أو يعاقبه ، وكذلك فعل الصديق - رضي الله عنه - ؛ فإنه عاتبه على
اجتهاداته الخاطئة لكنه لم يعزله أو يؤثمه ؛ بخلاف عمر - رضي الله عنه - الذي
أداه اجتهاده في خالد إلى عزله وتولية أبي عبيدة ، رضي الله عنهم أجمعين .
شبهٌ والرد عليها :
وقد نقل بعض المؤرخين بعض الروايات التي يُشم منها رائحة اتهام الصحابة
- رضي الله عنهم - بالهوى ، وأن عزل عمر لخالد - رضي الله عنهما - كان
لهوى في نفسه ، وكراهية لخالد ، ويذكرون قصة مصارعة قديمة بين خالد وعمر
- رضي الله عنهما - وفيها : أن خالداً صرع عمر وكسر رجله ، فحملها عمر في
نفسه ، فلما تولى الخلافة عزله ... إلخ .
وهذه النقول وما أشبهها باطلة من وجوه عدة ، منها :
أولاً : أن الأصل في الصحابة - رضي الله عنهم - سلامة صدور بعضهم
على بعض ؛ كما وصفهم الله تعالى بذلك في قوله سبحانه في وصف أهل الحديبية :
] أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [ ( الفتح : 29 ) ، وعمر - رضي الله عنه -
من أهل الحديبية ؛ فكيف يكون في صدره شيء على مؤمن مجاهد كخالد - رضي
الله عنه - ؟
وقال سبحانه في وصف التابعين للصحابة بإحسان : ] وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ
لِّلَّذِينَ آمَنُوا [ ( الحشر : 10 ) ، فإذا كان هذا الوصف في التابعين فالصحابة أوْلى
به ، ولا سيما مَنْ كان من المهاجرين السابقين كعمر بن الخطاب - رضي الله
عنه - ، والقادة المجاهدين كخالد بن الوليد - رضي الله عنه - .
فلا يُترك هذا الأصل المتين لمجرد روايات تاريخية يتناقلها القصاص
والإخباريون ليس لها خطام ولا زمام .
قال ابن حزم - رحمه الله تعالى - : « فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما
في قلوبهم ، ورضي الله عنهم ، وأنزل السكينة عليهم ؛ فلا يحل لأحد التوقف في
أمرهم أو الشك فيهم البتة » [20] .
ثانياً : أن من المستفيض المتواتر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
من أنصح الناس للأمة ، وزهده وعدله وسيرته تنضح بالأمثلة والشواهد الكثيرة
على ذلك ، وليس هذا مقام عرضها وسردها ، فلا يُظن به وهو الناصح الأمين الذي
كان يتفقد أحوال الرعية أن يغش الأمة ، ويعزل قائداً هي محتاجة إليه لولا أنه رأى
المصلحة تقتضي ذلك ، وليس لنفسه أي حظ من ذلك .
ثالثاً : أن عمر - رضي الله عنه - من كبار الصحابة ، ومن الخلفاء
الراشدين المهديين الذين أُمرت الأمّة كلها على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم
باتباع سُنَّتهم ، واقتفاء سيرتهم ؛ وذلك في قوله عليه الصلاة والسَّلام : « فعليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ » [21] .
فلو كان عمر - رضي الله عنه - صاحب هوى ، يقدّم هواه على مصلحة
الأمة ؛ فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يزكيه ، ويأمر الأمة باتباع سنته ؟!
وهل يقره الله تعالى على هذه التزكية ؟! فهذا مما يدل على بطلان هذه الروايات
التاريخية التي فيها نيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وينبغي لكل مسلم قرأ قصة ، أو اطلع على خبر لا يليق بالصحابة - رضي
الله عنهم - أن لا يقبله ويسلِّم به ابتداءً ؛ بل يرجع إلى النصوص الثابتة في الكتاب
والسنة ويقضي بها على هذه الروايات التي غالباً ما تكون منقولة عن أهل البدع
والضلالات ، أو في أسانيدها مجاهيل لا يُعرفون ، أو مناكير لا يُقبَلون ، أو كانت
بلا أسانيد . فمن سار على هذه الطريقة كان منهجه صواباً ؛ لأنه قدَّم الثابت من
المنقول على غير الثابت .
ولا يلزم من هذا التأصيل الحكم بعصمة الصحابة - رضي الله عنهم - ؛ بل
هم بشر يجتهدون فيصيبون ويخطئون ، وهم أقرب إلى الصواب من غيرهم ، ولا
سيما مَنْ كان من السابقين منهم إلى الإسلام . بيدَ أن تلك التهمة التي اتهم بها عمر
- رضي الله عنه - يلزم منها خيانة الأمة ، وتقديم هوى النفس على المصلحة
العامة ، وحرمان المسلمين من قائد ما نُكِّست له راية !! وهذا الاتهام غير مقبول في
الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
رابعاً : أن الروايات التاريخية المستفيضة تدل على أن خالداً - رضي الله
عنه - كان مجتهداً في أفعاله التي لم يرضها الصديق ولا الفاروق - رضي الله
عنهما - ، كما تدل على اجتهاد عمر في عزله لتحقيق مصلحة أكبر من مصلحة
بقائه قائداً . وتدل أيضاً على دوام المحبة بينهما حتى بعد العزل ، وهذه الروايات
تدحض كل ما ينقل مما فيه اتهام لعمر - رضي الله عنه - بالهوى .
ومن تلكم الروايات سوى ما ذكرته سابقاً ما يلي :
1 - أن عمر - رضي الله عنه - كان عازماً على تولية خالد - رضي الله عنه - الخلافة من بعده ، ومعلوم أن منصب الخلافة أعظم من مجرد قيادة الجيوش
في الشام ؛ ولكن خالداً - رضي الله عنه - توفي قبل وفاة عمر - رضي الله عنه - ؛
ودليل ذلك ما رواه الشاسي في مسنده عن أبي العجفاء السلمي قال : ( قيل لعمر :
لو عهدتَ يا أمير المؤمنين ! قال : لو أدركت أبا عبيدة ثم وليته ثم قدمت على ربي
فقال لي : لِمَ استخلفته ؟ لقلت : سمعت عبدك وخليلك يقول : « لكل أمة أمين ،وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة » ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته ، فقدمت على ربي لقلت : سمعت عبدك وخليلك يقول : « خالد سيف من سيوف الله سلَّه الله على
المشركين » ) [22] .
2 - ما ذكره سيف بن عمر من أن عمر - رضي الله عنه - لما رأى زوال ما كان يخشاه من افتتان الناس بخالد - رضي الله عنه - ؛ عزم على أن يوليه بعد أن يرجع من الحج ، ولكن القدر سبق إلى خالد - رضي الله عنه - فتوفي قبل ذلك [23] .
3 - أن عمر أمر أبا عبيدة أن يستشير خالداً - رضي الله عنهم أجمعين -
في أمور الحرب حتى بعد عزله [24] ؛ فلو كان في نفس عمر شيء على خالد -
رضي الله عنهما - لما جعله مستشاراً لأبي عبيدة - رضي الله عنه - .
4 - أن خالداً لما حضرته الوفاة أوصى لعمر - رضي الله عنهما - ، وتولى
عمر وصيته [25] ، وهذا يدل على المحبة بينهما ؛ لأن الشخص لا يوصي إلا لمن
يحب ويثق في أمانته وحزمه وورعه ، والوصي لا يقبل تولي وصية إلا من يحب ؛
لأن في تنفيذها جهداً ومشقة .
5 - تزكية خالد لعمر عند أبي الدرداء - رضي الله عنهم - وإخباره بأن عمر باب مغلق دون الفتن والمنكرات ؛ فقد قال خالد لأبي الدرداء - رضي الله عنهما - : « والله يا أبا الدرداء ! لئن مات عمر لترين أموراً تنكرها » [26] .
وفي المسند أن رجلاً قال لخالد - رضي الله عنه - : « يا أبا سليمان ! اتق
الله ؛ فإن الفتن قد ظهرت . فقال : وابن الخطاب حي ؟ إنما تكون بعده » [27] .
فلو كان خالد يعلم أن عمر إنما عزله لهوى في نفسه وليس لمصلحة رآها ؛ فهل
كان سيزكيه هذه التزكية العظيمة ؟!
6 - تأثر عمر بموت خالد - رضي الله عنهما - ورثاؤه له ، ومدحه بما
يستحقه ، ومن كان في نفسه شيء لا يفعل ذلك . روى ثعلبة بن أبي مالك : أن
خالداً لما مات ، استرجع عمر مراراً ونكس ، وأكثر الترحم عليه ، وقال : « كان
والله سدَّاداً لنحر العدو ، ميمون النقيبة ، فقال علي : لِمَ عزلته ؟ قال : عزلته لبذله
المال لأهل الشرف وذوي اللسان . قال : فكنت عزلته عن المال ، وتتركه على
الجند ! قال : لم يكن ليرضى ! قال : فهلاَّ بلوته ! » [28] .
ونقل الحافظ عن محمد بن إسحاق قال : « لما مات خالد بن الوليد خرج عمر
في جنازته فإذا أمه تندبه وتقول :
أنت خير من ألف ألف من القوم إذا ما كنتَ في وجوه الرجال
قال : فقال عمر : صدقتِ والله ، إن كان كذلك ! » [29] .
وروى إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى قال : « خرجت مع أبي
طلحة إلى مكة مع عمر ، فبينا نحن نحط رواحلنا إذ أتى الخبر بوفاة خالد ، فصاح
عمر : يا أبا محمد ! يا طلحة ! هلك أبو سليمان ، هلك خالد بن الوليد ... » [30] .
ونقل الحافظ أن خالداً - رضي الله عنه - لما جُهِّزَ بكته البواكي ، فقيل لعمر :
« ألا تنهاهن ؟ فقال : وما على نساء قريش أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقعاً
ولا لقلقة » [31] .
فهذه الروايات الكثيرة تثبت مدى محبة الصحابة بعضهم لبعض - رضي الله
عنهم - ، كما تثبت أن عزل عمر لخالد - رضي الله عنهما - كان اجتهاداً رأى فيه
عمر مصلحة الأمة ، ولم يكن لهذا العزل تأثير على بقاء المحبة والألفة بينهما إلى
أن مات خالد فتولى عمر وصيته ، والله أعلم .
________________________
(*) رئيس تحرير مجلة الجندي المسلم .

(5) البداية والنهاية (7/76) .
(6) السياسة الشرعية (1/18) ، وانظر : مجموع الفتاوى (28/258) .
(7) انظر : البداية والنهاية (6/241) .
(**) ذمَّره : حضه وشجعه .
(8) البداية والنهاية : (6/242) .
(9) قال ابن قتيبة : (ميلغة الكلب : الظرف الذي يلغ فيه الكلب إذا شرب ، وأراد : أنه أعطاهم قيمة
كل ما ذهب لهم حتى ميلغة الكلب التي لا قدر لها ولا ثمن ؛ لأن الكلب إنما يولغ في قطعة من صحفة
أو جفنة قد انكسرت) اهـ ، غريب الحديث ، لابن قتيبة (2/142) ، وانظر : النهاية ، لابن الأثير (5/
225) .
(10) انظر : سيرة ابن هشام (5/95-96) ، والاستيعاب (2/428) ، وطبقات ابن سعد (2/ 148) ،
والحديث أخرجه البخاري ، رقم (7189) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
(11) فتح الباري (13/193 - 194) .
(12) انظر : البداية والنهاية (6/241 - 242) .
(13) الإصابة (3/73) .
(14) الإصابة (3/74) .
(15) البداية والنهاية (7/80) .
(16) المسند (375/3) ، ورواه النسائي في السنن الكبرى ، رقم (8283) ، و البيهقي (3/475) ،
و الطبراني في الكبير (22/298-299) برقم : (760-761) ، قال الهيثمي في الزوائد (9/349) :
(رواه أحمد والطبراني بنحوه ، ورجالهما ثقات) .
(17) البداية والنهاية (7/81) .
(18) البداية والنهاية (7/93) .
(19) سير أعلام النبلاء (1/378) .
(20) الفصل في الملل والنحل (4/148) .
(21) رواه أحمد (4/126-127) ، و أبو داود ، رقم (4607) ، و الترمذي وقال : حسن صحيح ،
رقم (2676) ، و ابن ماجه ، رقم (44) ، وصححه ابن حبان ، رقم 5 ، و الحاكم ووافقه الذهبي (1/
95) .
(22) سير أعلام النبلاء (1/373) .
(23) انظر : الإصابة (8/98) .
(24) انظر : البداية والنهاية (7/67) .
(25) انظر : السير (1/382) ، والإصابة (3/74) .
(26) السير (1/382) .
(27) رواه أحمد (90/4) ، والطبراني في الكبير (3841) ، والأوسط (8474) .
(28) السير (1/383) ، والبداية والنهاية (7/117) .
(29) الإصابة (13/112) .
(30) السير (1/382) ، والإصابة بنحوه (3/47) .
(31) الإصابة (13/112) النقع : وضع التراب على الرؤوس ، واللقلقة : رفع الصوت بالبكاء ،
وورد بنحوه عن أبي وائل عند الحاكم (3/297) ، و ابن عبد البر في الاستيعاب (3/169) ، وعلقه
البخاري في صحيحه ، وقال الحافظ في الفتح (1/161) : (وصله المصنف في التاريخ الأوسط) ،
وانظر : التاريخ الأوسط (33) ، والتاريخ الصغير (1/46) .

(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 198 ] صــ ‌ 102 صفر 1425 ـ أبريل 2004 ))

السبت، 8 مايو 2010

ترجمة الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر رحمه الله


خالد بن الوليد بن المغيرة
بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان وقيل أبو الوليد

أمه لبابة الصغرى

وقيل : بل هي لبابة الكبرى

والأكثر على أن أمه لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية

أخت ميمونة

زوج النبي صلى الله عليه وسلم


ولبابة أمه خالة بني العباس بن عبد المطلب

لأن لبابة الكبرى زوج العباس وأم بنيه

وكان خالد أحد أشراف قريش في الجاهلية وإليه كانت القبة والأعنة في الجاهلية


فأما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش . وأما الإعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحروب ذكر ذلك الزبير
واختلف في وقت إسلامه وهجرته فقيل هاجر خالد بعد الحديبية وقيل : بل كان إسلامه الحديبية وخيبر وقيل بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين قريظة وقيل في أول سنة ثمان مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة




وقد ذكرنا في باب أخيه الوليد بن الوليد زيادة في خبر إسلام خالد وكان خالد على خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية في ذي القعدة سنة ست وخيبر بعدها في المحرم وصفر سنة سبع وكانت هجرته مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فلما رآهم رسول الله عليه وسلم قال : " رمتكم مكة بأفلاذ كبدها " . ولم يزل من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل فيكون في مقدمتها في محاربة العرب


وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة فأبلى فيها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العزى وكان بيتا عظيما لقريش وكنانة ومضر تبجله فهدمها وجعل يقول : الرجز
يا عز كفرانك اليوم لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
قال أبو عمر لا يصح لخالد بن الوليد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا إلى الغميصاء . ماء من مياه جذيمة من بني عامر فقتل منهم ناسا لم يكن قتله لهم صوابا فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد " . وخبره بذلك من صحيح الأثر ولهم حديث
وكان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم وجرح يومئذ فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحله بعد ما هزمت هوازن ليعرف خبره ويعوده فنفث في جرحه فانطلق وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة تسع إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وهو رجل من اليمن كان ملكا فأخذه خالد فقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وأعطاه الجزية فرده إلى قومه



وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أيضا سنة عشر إلى بلحارث بن كعب فقدم معه رجال منهم فأسلموا ورجعوا إلى قومهم بنجران
وذكب ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل عن قيس قال : سمعت خالد بن الوليد يقول : اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما صبرت في يدي إلا صفيحة يمانية
وأمره أبو بكر الصديق على الجيوش . ففتح الله عليه اليمامة وغيرها




وقتل على يده أكثر أهل الردة
منهم
مسيلمة ومالك بن نويرة




وقد اختلف في حال مالك بن نويرة

فقيل إنه قتله مسلما لظن ظنه به وكلام سمعه منه وأنكر عليه أبو قتادة قتله
وخالفه في ذلك
وأقسم ألا يقاتل تحت رايته أبدا .

وقيل

بل قتله كافرا وخبره في ذلك يطول ذكره

وقد ذكره كل من ألف في الردة .


ثم افتتح دمشق وكان يقال له سيف الله
حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكوني قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر خالد بن الوليد - فقال : نعم عبد الله وأخو العشيرة وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين "
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا الربيع بن ثعلبة حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن أبي أوفى قال : اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا خالد لم تؤذي رجلا من أهل بدر لو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله " فقال : يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال : " لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار "
روى جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : وقع بين خالد بن الوليد وعمار بن ياسر كلام فقال : عمار لقد هممت ألا أكلمك أبدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا خالد مالك ولعمار رجل من أهل الجنة قد شهد بدرا وقال لعمار : إن خالدا - يا عمار - سيف من سيوف الله على الكفار " . قال : خالد فما زلت أحب عمارا من يومئذ
ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال : لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء






وتوفي خالد بن الوليد بحمص . وقيل بل توفي بالمدينة سنة إحدى وعشرين . وقيل : بل توفي بحمص ودفن في قرية على ميل من حمص سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوصى إلى عمر ابن الخطاب
وروى يحيى بن سعيد القطان عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل قال : بلغ عمر بن الخطاب أن نسوة من نساء بني المغيرة اجتمعن في دار يبيكن على خالد بن الوليد فقال عمر : وما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة


وذكر محمد بن سلام قال : لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبر خالد بن الوليد يقول : حلقت رأسها
##

الاستيعاب م 1 ص 127

ترجمة الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه من كتاب أسد الغابة

خالد بن الوليد بن المغيرة

ب د ع 

خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو سليمان وقيل : أبو الوليد القرشي المخزومي أمه لبابة الصغرى

وقيل : الكبرى والأول أصح وهي بنت الحارث بن حزن الهلالية وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم هو ابن خالة أولاد العباس الذين من لبابة


وكان أحد الأشراف قريش في الجاهلية وكان إليه القبة وأعنه الخيل في الجاهلية أما القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحرب قاله الزبير بن بكار
ولما أراد الإسلام قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " رمتكم مكة بأفلاذ كبدها "



وقد اختلف في وقت إسلامه وهجرته

فقيل : هاجر بعد الحديبية وقبل خيبر وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست وخيبر بعدها في المحرم سنة سبع وقيل : بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة وليس بشيء . وقيل : كان إسلامه سنة ثمان وقال بعضهم : كان على خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وكانت سنة ست وهذا القول مردود فإن الصحيح أن خالد بن الوليد كان على خيل المشركين يوم الحديبية
أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني الزهري عن عروة عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة حدثاه جميعا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد زيارة البيت لا يريد حربا وساق معه الهدي سبعين بدنة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتهى إلى عسفان لقيه بسر بن سفيان الكعبي كعب خزاعة قال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فخرجوا بالعوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أن لا تدخل عليهم مكة عنوة أبدا


وهذا هو خالد بن الوليد في خيل قريش قد قدموه إلى كراع الغميم



فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ويح قريش قد أكلتها الحرب " .

وذكر الحديث فهذا صحيح


يقول فيه : أنه على خيل قريش
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن علي وغيره قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال : نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلافجعل الناس يمرون فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من هذا يا أبا هريرة " فأقول : فلان فيقول : " نعم عبد الله هذا " . حتى مر خالد بن الوليد


فقال : " من هذا " قلت : خالد بن الوليد


فقال : " نعم عبد الله خالد بن والوليد سيف من سيوف الله " .


ولعل هذا القول كان بعد غزوة مؤتة فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمى خالدا سيفا من سيوف الله فيها فإنه خطب الناس وأعلكهم بقتل زيد وجعفر وابن رواحة وقال : ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه وقال خالد : لقد اندق يومئذ في يدي سبعة أسياف فما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية ولم يزل من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل فيكون في مقدمتها في محاربة العرب وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة فأبلى فيها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العزى 



وكان بيتا عظيما لمضر تبجله فهدمها وقال : الرجز :
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك




ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة


ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي

فقتل منهم من لم يجز له قتله

فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد




فأرسل مالا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوردى القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم حتى ثمن ميغلة الكلب وفضل معه فضلة من المال


فقسمها فيهم


فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك استحسنه


ولما رجع خالد بن الوليد من بني جذيمة أنكر عليه عبد الرحمن ابن عوف ذلك وجرى بينهما كلام


فسب خالد عبد الرحمن بن عوف فغضب النبي صلى الله عليه وسلم


وقال لخالد : " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك أحدهم ولا نصيفه "



وكان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم

فجرح خالد

فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفث في جرحه فبرأ


وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل

فأسره وأحضره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية ورده إلى بلده

وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مذحج

فقدم معه رجال منهم فأسلموا ورجعوا إلى قومهم بنجران


ثم إن أبا بكر أمره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال المرتدين


منهم : مسيلمة الحنفي في اليمامة وله في قتالهم الأثر العظيم


ومنهم مالك بن نويرة في بني يربوع من تميم وغيرهم

إلا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرة


فقيل :


إنه قتل مسلما لظن ظنه خالد به وكلام سمعه منه وأنكر عليه أبو قتادة


وأقسم أنه لا يقاتل تحت رايته وأنكر عليه ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه


وله الأثر المشهور في قتال الفرس والروم وافتتح دمشق

وكان في قلنسوته التي يقاتل بها شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره به وببركته فلا يزال منصورا
أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد الله المخزومي بإسناده إلى أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا سريج بن يونس أخبرنا هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال : قال خالد بن الوليد : اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها فحلق شعره فاستبق الناس إلى شعره فسبقت إلى الناصية فأخذتها فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدم القلنسوة فما وجهته في وجه إلا وفتح له



وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابن عباس وجابر بن عبد الله والمقدام بن معد يكرب وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وغيرهم وروى معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد : أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأكل منه فقالوا : يا رسول الله هو ضب . فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت : أحرام هو قال : " لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " . قال خالد : فاجتزرته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر



ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال : لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية وها أنا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء وما من عمل أرجى من " لا إله إلا الله " وأنا متترس بها
وتوفي بحمص من الشام وقيل : بلى توفي بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب وأوصى إلى عمرو رضي الله عنه ولما بلغ عمر أن نساء بني المغيرة اجتمعن في دار يبكين على خالد قال عمر : ما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة قيل : لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبر خالد يعني حلقت رأسها . ولما حضرته الوفاة حبس فرسه وسلاحه في سبيل الله



قال الزبير بن أبي بكر : وقد انقرض ولد خالد بن الوليد فلم يبق منهم أحد وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة
أخرجه الثلاثة
سريج بن يونس : بالسين المهملة والجيم
والعوذ المطافيل : يريد النساء والصبيان والعوذ في الأصل : جمع عائذ وهي الناقة إذا وضعت وبعد ما تضع أياما . والمطفل : الناقة معها فصيلها
قوله : نقع ولقلقة فالنقع : رفع الصوت وقيل : أراد شق الجيوب واللقلقة : الجلبة كأنه حكاية الأصوات إذا كثرت واللقلق : اللسان
##
ابن الأثير أسد الغابة م 1 ص 313 خالد بن الوليد بن المغيرة

الأربعاء، 27 يناير 2010

ترجمة خالد بن الوليد رضي الله عنه من كتاب الإصابة لابن حجر رحمه الله


ترجمة خالد بن الوليد رضي الله عنه من كتاب الإصابة لابن حجر رحمه الله


ترجمة خالد بن الوليد رضي الله عنه من كتاب الإصابة لابن حجر رحمه الله

خالد بن الوليد بن المغيرة 
بن عبد الله بن عمرو بن محزوم القرشي المخزومي 

سيف الله 

أبو سليمان 

أمه لبابة الصغرى بنت الحارث بن حرب الهلالية 

وهي أخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب 

وهما أختا ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم 

كان أحد أشراف قريش في الجاهلية 

وكان إليه أعنة الخيل في الجاهلية 

وشهد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية 

كما ثبت في الصحيح 

أنه كان على خيل قريش طليعة ثم أسلم في سنة سبع بعد خيبر 

وقيل قبلها 

ووهم من زعم أنه أسلم سنة خمس 

قال بن إسحاق 

حدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس 

عن حبيب حدثني 

عمرو بن العاص من فيه 

قال خرجت عامدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم 

فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبل الفتح وهو مقبل من مكة 

فقلت أين تريد أبا سليمان 

قال أذهب والله أسلم فحتى متى 

قلت وما جئت إلا لأسلم فقدمنا جميعا 

فتقدم خالد فأسلم وبايع ثم دنوت فبايعت ثم انصرفت 

ثم شهد غزوة مؤتة 

مع زيد بن حارثة 

فلما استشهد الأمير الثالث أخذ الراية 

فانحاز بالناس 

وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فأعلم الناس بذلك 

كما ثبت في الصحيح 

وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة 

فأبلى فيها 

وجرى له مع نبي خزيمة ما جرى 

ثم شهد حنينا والطائف في هدم العزى 

وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما 

روى عنه بن عباس وجابر والمقدام بن معد يكرب وقيس بن أبي حازم 
وعلقمة بن قيس وآخرون 
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة 
قال نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا 
فجعل الناس يمرون 
فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا فأقول فلان حتى مر خالد 
فقال من هذا 
قلت خالد بن الوليد 
فقال نعم عبد الله هذا سيف من سيوف الله 

رجاله ثقات 

وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة فأسره 

ومن طريق أبي إسحاق عن عاصم عن أنس 

وعن عمرو بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم 

بعث خالد إلى أكيدر دومة فأخذوه 

فأتوا به فحقن له دمه 

وصالحه على الجزية 

############### وأرسله أبو بكر إلى قتال أهل الردة 

فأبلى في قتالهم بلاء عظيما 

ثم ولاه حرب فارس والروم 

فأثر فيهم تأثيرا شديدا 

وفتح دمشق 

وروى يعقوب بن سفيان من طريق أبي الأسود 

عن عروة 
قال 
لما فرغ خالد من اليمامة أمره أبو بكر بالمسير إلى الشام 

فسلك عين التمر فسبي ابنة الجودي من دومة الجندل 

ومضى إلى الشام 

فهزم عدو الله 

واستخلفه أبو بكر على الشام إلى أن عزله عمر 

فروى البخاري في تاريخه من طريق ناشرة بن سمى 

قال خطب عمر واعتذر من عزل خالد 

فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة 

عزلت عاملا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم 

ووضعت لما رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم 

فقال إنك قريب القرابة حديث السن مغضب لابن عمك 

وقال بن أبي الدنيا 

حدثني أبي حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن قتادة قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزي فهدمها 

## وقال أبو زرعة الدمشقي 

حدثني علي بن عباس حدثنا الوليد حدثني وحشي عن أبيه عن جده 

أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة 

فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول 

نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكفار 

وقال أحمد 

حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير قال استعمل عمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد فقال خالد بعث عليكم أمين هذه الأمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم 

يقوله 

فقال أبو عبيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم 

يقول خالد سيف من سيوف الله نعم فتى العشيرة 

وروى أبو يعلى من طريق الشعبي 

عن بن أبي أوفى رفعه لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله 
صبه الله على الكفار 

ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله 

## وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد 

فقد قلنسوته يوم اليرموك 

فقال اطلبوها فلم يجدوها فلم يزل حتى وجدوها فإذا هي خلفه 

فسئل عن ذلك 

فقال اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس شعره 
فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة 
فلم أشهد قتالا وهي معي إلا تبين لي النصر 

ورواه أبو يعلى 

عن شريج بن يونس عن هشيم مختصرا وقال في آخره فما وجهت في وجه إلا فتح لي 


## وفي الصحيحين 

عن أبي هريرة في قصة الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم 

إن خالدا احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله 

وفي البخاري 

عن قيس بن أبي حازم 

عن خالد بن الوليد 
قال 
لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف 
فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية 

وقال يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر 
لما قدم خالد بن الوليد الحرة أتى بسم فوضعه في راحته ثم سمى وشربه 
فلم يضره 

رواه أبو يعلى 

ورواه بن سعد من وجهين آخرين وروى بن أبي الدنيا بإسناد صحيح عن خيثمة 

قال أتى خالد بن الوليد رجل معه زق خمر 
فقال اللهم اجعله عسلا فصار عسلا 

وفي رواية له 

من هذا الوجه 

مر رجل بخالد ومعه زق خمر 
فقال ما هذا قال خل 
قال جعله الله خلا فنظروا فإذا هو خل وقد كان خمرا 

وقال بن سعد أخبرنا محمد بن عبيد الله حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى آل خالد 

قال خالد عند موته 

ما كان في الأرض من ليلة أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين 
أصبح بهم العدو 
فعليكم بالجهاد 


وروى أبو يعلى من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس 
قال 
قال خالد ما ليلة يهدي إلي فيها عروس أنا لها محب 
وأبشر فيها بغلام 
أحب إلي من ليلة شديدة الجليد فذكر نحوه



## ومن هذا الوجه عن خالد لقد شغلني الجهاد عن تعلم كثير من القرآن 

########### وكان سبب عزل عمر خالدا 

ما ذكره الزبير بن بكار 

قال كان خالد إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم 

ولم يرفع إلى أبي بكر حسابا 

وكان فيه تقدم على أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبو بكر 

أقدم على قتل مالك بن نويرة ونكح امرأته 

فكره ذلك أبو بكر 

وعرض الدية على متمم بن نويرة 

وأمر خالدا بطلاق امرأة مالك 

ولم ير أن يعزله 

وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد 

وكان أميرا عند أبي بكر 

بعثه إلى طليحة فهزم طليحة ومن معه 




ثم مضى إلى مسيلمة فقتل الله مسيلمة 

قال الزبير 
وحدثني محمد بن مسلم عن مالك بن أنس 
قال قال عمر لأبي بكر 
اكتب إلى خالد لا يعطي شيئا إلا بأمرك 
فكتب إليه بذلك 
فأجابه خالد 
إما أن تدعني وعملي وإلا فشأنك بعملك 

فأشار عليه عمر بعزله 
فقال أبو بكر فمن يجزى عني جزاء خالد 

قال عمر أنا 
قال فأنت فتجهز عمر حتى أنيخ الظهر في الدار 
فمشى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر 

فقالوا ما شأن عمر يخرج وأنت محتاج إليه وما لك عزلت خالدا 
وقد كفاك 
قال فما أصنع 
قالوا تعزم على عمر فيقيم وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله 
ففعل فلما قبل عمر 
كتب إلى خالد 
ألا تعطي شاة ولا بعيرا إلا بأمري 
فكتب إليه خالد بمثل ما كتب إلى أبي بكر 

فقال عمر ما صدقت الله إن كنت أشرت على أبي بكر بأمر فلم أنفذه 

فعزله 

ثم كان يدعوه إلى أن يعمل فيأبى إلا أن يخليه يفعل ما شاء 

فيأبى عمر 

قال مالك وكان عمر يشبه خالدا 

فذكر القصة التي ستأتي في ترجمة علقمة بن علاثة 

قال الزبير 

ولما حضرت خالدا الوفاة أوصى إلى عمر 

فتولى عمر وصيته وسمع راجزا يذكر خالدا 

فقال رحم الله خالدا 

فقال له طليحة بن عبيد الله 

... لا أعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي 

فقال عمر 

إني ما عتبت على خالد إلا في تقدمه وما كان يصنع في المال 

مات خالد بن الوليد بمدينة حمص سنة إحدى وعشرين 

وقيل توفي بالمدينة النبوية 

وقال بن المبارك في كتاب الجهاد 

عن حماد بن زيد حدثنا عبد الله بن المختار عن عاصم بن بهدلة 

عن أبي وائل ثم شك حماد في أبي وائل 

قال لما حضرت خالدا الوفاة 

قال لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي 
وما من عملي شيء أرجى عندي بعد أن لا إله إلا الله 
من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني تمطر إلى صبح 
حتى نغير على الكفار 

ثم قال 
إذا أنا مت فانظروا في سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله 

فلما توفي خرج عمر إلى جنازته 
فقال ما على نساء آل الوليد أن يسفحن على خالد دموعهن 
ما لم يكن نقعا أو لقلقة 

قلت فهذا يدل على أنه مات بالمدينة 
وسيأتي في ترجمة أمه لبابة الصغرى بنت الحارث ما يشيده 

ولكن الأكثر على أنه مات بحمص والله أعلم

من الاستيعاب

الاستيعاب م 1 ص 127

خالد بن الوليد بن المغيرة
بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان وقيل أبو الوليد 

أمه لبابة الصغرى 

وقيل : بل هي لبابة الكبرى 

والأكثر على أن أمه لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية 

أخت ميمونة 

زوج النبي صلى الله عليه وسلم 


ولبابة أمه خالة بني العباس بن عبد المطلب 

لأن لبابة الكبرى زوج العباس وأم بنيه

وكان خالد أحد أشراف قريش في الجاهلية وإليه كانت القبة والأعنة في الجاهلية


فأما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش . وأما الإعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحروب ذكر ذلك الزبير
واختلف في وقت إسلامه وهجرته فقيل هاجر خالد بعد الحديبية وقيل : بل كان إسلامه الحديبية وخيبر وقيل بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين قريظة وقيل في أول سنة ثمان مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة




وقد ذكرنا في باب أخيه الوليد بن الوليد زيادة في خبر إسلام خالد وكان خالد على خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية في ذي القعدة سنة ست وخيبر بعدها في المحرم وصفر سنة سبع وكانت هجرته مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فلما رآهم رسول الله عليه وسلم قال : " رمتكم مكة بأفلاذ كبدها " . ولم يزل من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل فيكون في مقدمتها في محاربة العرب


وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة فأبلى فيها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العزى وكان بيتا عظيما لقريش وكنانة ومضر تبجله فهدمها وجعل يقول : الرجز
يا عز كفرانك اليوم لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
قال أبو عمر لا يصح لخالد بن الوليد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا إلى الغميصاء . ماء من مياه جذيمة من بني عامر فقتل منهم ناسا لم يكن قتله لهم صوابا فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد " . وخبره بذلك من صحيح الأثر ولهم حديث
وكان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم وجرح يومئذ فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحله بعد ما هزمت هوازن ليعرف خبره ويعوده فنفث في جرحه فانطلق وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة تسع إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وهو رجل من اليمن كان ملكا فأخذه خالد فقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وأعطاه الجزية فرده إلى قومه



وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أيضا سنة عشر إلى بلحارث بن كعب فقدم معه رجال منهم فأسلموا ورجعوا إلى قومهم بنجران
وذكب ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل عن قيس قال : سمعت خالد بن الوليد يقول : اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما صبرت في يدي إلا صفيحة يمانية
وأمره أبو بكر الصديق على الجيوش . ففتح الله عليه اليمامة وغيرها 




وقتل على يده أكثر أهل الردة 
منهم 
مسيلمة ومالك بن نويرة




وقد اختلف في حال مالك بن نويرة 

فقيل إنه قتله مسلما لظن ظنه به وكلام سمعه منه وأنكر عليه أبو قتادة قتله 
وخالفه في ذلك 
وأقسم ألا يقاتل تحت رايته أبدا . 

وقيل 

بل قتله كافرا وخبره في ذلك يطول ذكره 

وقد ذكره كل من ألف في الردة . 


ثم افتتح دمشق وكان يقال له سيف الله
حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكوني قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر خالد بن الوليد - فقال : نعم عبد الله وأخو العشيرة وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين "
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا الربيع بن ثعلبة حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن أبي أوفى قال : اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا خالد لم تؤذي رجلا من أهل بدر لو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله " فقال : يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال : " لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار "
روى جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : وقع بين خالد بن الوليد وعمار بن ياسر كلام فقال : عمار لقد هممت ألا أكلمك أبدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا خالد مالك ولعمار رجل من أهل الجنة قد شهد بدرا وقال لعمار : إن خالدا - يا عمار - سيف من سيوف الله على الكفار " . قال : خالد فما زلت أحب عمارا من يومئذ
ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال : لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء






وتوفي خالد بن الوليد بحمص . وقيل بل توفي بالمدينة سنة إحدى وعشرين . وقيل : بل توفي بحمص ودفن في قرية على ميل من حمص سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوصى إلى عمر ابن الخطاب
وروى يحيى بن سعيد القطان عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل قال : بلغ عمر بن الخطاب أن نسوة من نساء بني المغيرة اجتمعن في دار يبيكن على خالد بن الوليد فقال عمر : وما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة


وذكر محمد بن سلام قال : لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبر خالد بن الوليد يقول : حلقت رأسها